إن الرأي العام هو الذي يضع القوانين للأمة، فهي تعبير عن رغباته وضمان للنظم الاجتماعية والمثل الأخلاقية التي يؤمن بها الجميع ويسعون إلى تحقيقها والمحافظة عليها. ويتمثل الرأي العام في الهيئات التشريعية النيابية [ البرلمانات ] التي انتخب الشعب أعضاءه لينوبو عنه في التشريع. فالرأي العام هنا هو منبع القانون ومصدره. والرأي العام لا يصنع القوانين فقط، بل الدساتير أيضا دون حاجة لجمعية تأسيسية أو استفتاء شعبي على الدستور.
وقد ينعكس الأمر ويـُفرض القانون من هيئة غير نيابية وتصادق عليها الحكومات . في هذه الحال فإن هذه القوانين لا يـُكتب لها البقاء إلا إن سـُبق سنّ القانون بحملة من الدعاية الإعلامية تهدف لغرس روح ذلك القانون في مجتمعه وتسعى في تحوير الرأي العام ليتقبـّل هذه القوانين الجديدة. ويكون النجاح الأكبر في سنّ هذه القوانين عندما تنغرس في العرف والعادات والتقاليد للمجتمع ، ويتعلمها الناس بصفة دائمة في مؤسسات التعليم والدعاية، فتبقى ذات أثر فعال في حياة الناس.
فالرأي العام أقوى من القانون وأكثر منه شمولية وإحاطة. فهو يفرض نفسه على المجتمع ويؤثر في سلوك الفرد وآرائه ويصدر أحكامه مقدما على الأعمال التي تسبق مرحلة تحضير القوانين وإعدادها. وهناك من يخشى الرأي العام وكلام الناس والفضيحة قبل خشيته للقانون وعقوباته في كثير من الأحيان، فالرأي العام يؤدي هذه الوظيفة ويـُشكل جهاز أمان وقائي في المجتمع ، و يعتبر من الدعائم القوية التي تقف خلف الهيئات والمؤسسات الاجتماعيه التي تبذل كل الجهود الممكنة من أعمال ومشروعات وخدمات لتكسبه إلى جانبها.
والرأي العام أكثر مرونة وإنسانية من القانون، فهو يتأثر بالعاطفة ويُحكـّمها في كثير من القضايا. وليس هذا ضعفا أو تقلبا في الرأي العام. فالرأي العام يتكون من عنصرين: أولهما هو العقائد والمثل الأخلاقية والعادات والتقاليد، وتنبثق منه قوانين صلبة جامدة باقية على مدى الزمن تتوارثها الأجيال دون تبديل أو تعديل. وثانيهما هو المذاهب والاتجاهات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتنبثق منه قوانين طيعة الشكل تلائم الظروف التي يعيشها الرأي العام وتتشكل معها، فعمر هذه القوانين قصير نسبيا يتغير بتغيير العوامل المـُنشئة لها لتحل محله قوانين جديدة تناسب الظروف الجديدة.
والرأي العام هو المؤثر والمحرّك للروح المعنوية. حين يتوحد الرأي العام بين الأفراد وبقوة فهذا يعني روحا معنوية ً عالية، أما حين ينقسم الرأي العام على نفسه ويتوزع بين مؤيد ومعارض وما بينهما فهذا يعني روحا ً معنويةً ضعيفة ذات مستوى منخفض. وانقسامُ الرأي العام على نفسه لا ينحصر في تباين فـِكر الآراء وحسب ، بل أي انقسام في المجتمع من الحزبية والطبقية وغيرها ، فهذا كله يؤدي في النهاية إلى إضعاف الروح المعنوية. وتتقوى الروح المعنوية بتقسيم خيرات البلاد قسمة عادلة بين الطبقات ومحاولة تقريب المسافات بينها والاتفاق على الأهداف واستشعار وحدة الوطن والمشاركة فيه.
منقول لتعم الفائذة