المقدمة:
لقد أجمع الحكماء، والنبهاء العارفين بتاريخ الأمم والحضارات، أن قيمة الشيئ تدرك عند افتقاده، فلا يمكن لأحد مهما أوتي من جوامع الكلم، أن يصف لنا الماء وأهميته وصفا يقارب وصف ذلك التائه في الصحراء القاحلة، كما لا يمكن أن يقدر حالة الأمن إلا من افتقدها، و عليه لا يمكن أن يقدر قيمة السلم إلا من عانى ويلات الحرب، ولا قيمة الإعتدال إلا من عانى ويلات التطرف، و في اعتقادي الخاص أن تجربة حركة مجتمع السلم بالجزائر ، لفتت إليها الأنظار في العشرية الأخيرة، وأصبحت بدون منازع مضرب الأمثال للحركات الإسلامية التي وقعت بين فكي رحى عدو متربص، وصديق جاهلا، فالأنموذج الذي بنته حركة مجتمع السلم في فقه التعامل مع النوازل، و إعلاء قيمة السلم زمن الحرب، و بث روح التسامح بين أبناء البلد الواحد في زمن الإحتراب، وضبط النفس والصبر على المكاره زمن الإستدراج، كلها قيم جعلت رصيد الحركة الإسلامية المعتدلة في الجزائر والعالم يزداد، و العتمة التي أدخلت إليها الحركة الإسلامية تنزاح ، و أصبح جليا لكل ذا لب ان الإسلام لا يؤاخذ بأفعال المسلمين، و أن الحركة الإسلامية لا تؤاخذ بفعل أفكار متطرفة لبعض منتسبيها، وما انتصاب، ومرابطة حركة مجتمع السلم فيهاخلال عشرية الدم والنار (1992-199) و التي كلفت البلاد والعباد قرابة مئتي ألف قتيل( حسب منظمات حقوقية خارجية) و أزيد من 27 مليار دولار( حسب التصريحات الحكومية) دون الإلتفات إلى المخلفات النفسية والإجتماعية إلا دليلا على قدرة الحركة الإسلامية على زرع السلم زمن العنف، و نشر المحبة زمن الإختلاف، ووجوب التعايش داخل الوطن الواحد مهما اختلفت المشارب و المذاهب. فبناء على ما تقدم حاولت أن أقترب من هذه الحركة كما فعل بعض الباحثين من قبلي في الجزائر( محمد لعقاب2000 ، بوعمران كربوسة2005 ) لأسبر أغوار هذه الحركة في جوانب لم يسبق أن تعطى نصيبها الكاف، فحاولت بما توفر لديّ من وثائق و مراجع أن أتتبع مسارات هذه الحركة نشأة وتكوينا وفلسفة ومنهاجا، قبل أن أصل إلى إبراز سمات الدعوة الإيجابية الفعالة من منظور حركة مجتمع السلم، و التي يمكن حصرها في وسطية المنهج وإعتدال المواقف.
الحركة الإسلامية في الجزائر: أفكار ومرجعيات