حركة مجتمع السلم: التأسيس الجديد وفق مساحة العفو ونظرية الحزام

.......تحدثنا عن استهداف حقيقي لتقسيم حركة مجتمع السلم إلى جماعتين بإرادة داخلية للأسف الشديد، وبمبررات براجماتية لا تعبر عن ثقافة نضالية مبدئية، على الأقل لسببين رئيسيين :
أما السبب الأول فهو أن المبررات التي يرفعها الإخوان في وجه القيادة الحالية للحركة، تمثل خطاب سياسي تقف وراءه خلفية ذاتية شكلت قناعة مشروعة قبيل المؤتمر الرابع وهي تقريبا نفس القناعة لدى نفس الشخوص في المؤتمر الثالث، ولكن هذا الخطاب البراغماتي صار يتنافى مع الشرعية والمشروعية بالمفهوم السياسي البحث ،حيث أن الشرعية المنبثقة عن المؤتمر الثالث والرابع عبر الصندوق الشفاف وشهادة اللجان التحضيرية التي سيرت المؤتمرين وكانت هذه اللجان تمثل طرف أو رأي مخالف للنتائج المحصل عليها ،ولا المشروعية التي تتضمن المبادئ والقيم والمناهج التي يتربي ونشأ الضمير الجمعي لدى المناضلين والقيادات عليها تسمح أو تبرر مثل هكذا ممارسة، فكيف يطلب اليوم من كان يحرص بل ويعطي الأدلة الفقهية على ضرورة الانتخاب في مجلس الشورى الوطني لقيادة الحركة وينتقد من كانوا يطالبون بانتخاب القيادة في المؤتمر بل عند المناضلين في الولايات، صار اليوم ينادي المناضلين بضرورة سحب الثقة من قيادة الحركة الحالية . فهل تغيرت القناعة السياسية أم تغير الظرف السياسي أم أنه بعد الشقة وفقدان الروية والاناة والحيلة، والانحباس في لحظة تاريخية محددة،جعل بعض الإخوان يبلغون السقف في اشكال المعارضة بعد نهاية أشغال المؤتمر الرابع بأربعة شهور ويزيد.
أما السبب الثاني، فهو قراءة مضمون هذا الخطاب السياسي الـمتجدد الذي صار اليوم حديث العام والخاص في الشارع الجزائري ولا سيما المراقبين لشأن الحركة الإسلامية، فمن خلال اطلاعي على أغلب الأوراق والنداءات سواء التي وقعها النواب فيما سمي بـ " كتلة التغيير" أو ما تضمنته ورقة ما سمي بلجنة النصح أو الفريق الذي وقع على ورقة "مبادرة من أجل إنقاذ الحركة"، القراءة المتأنية لأغلب هذه الأوراق التي يبدو عليها التسرع في صياغتها وترتيب افكارها و تعبر عن كتابة ساخنة تفتقد إلى الحكمة والتقدير السياسي والدعوي المستنير، حيث استخدمت الأسلوب الإنشائي العاطفي الذي يتمظهر برعاية قيم وثقافة الحركة وهو كسلوك سياسي يتنافى وهذه القيم المتضمنة أساسا في هذه الأوراق وهذا الخطاب ،وبغض النظر عن دراسة الخلفية السياسية والتنظيمية للموقعين على أغلب هذه الأوراق ،ولكننا نريد أن نقرأ مضمون الخطاب الذي يركز على مفردات قديمة لم تجد لها صدى قاعديا قبيل المؤتمر ولم تؤثر في مخرجاته، بل كانت سببا رئيسيا في تعزيز حظوظ الشيخ ابو جرة في الرئاسة.
فالحديث عن الانحراف عن خط الشيخ محفوظ نحناح أو الحديث عن الفساد أو ربط أزمة الإرشاد والكشافة والكتلة البرلمانية بقيادة الحركة الحالية فضلا عن تهمة تزوير بعض مواد القانون الأساسي، هي تهم ومبررات يعلم من صاغها أنها لا تمثل حقيقة سياسية ولا تنظيمية ماثلة للعيان على الأقل لسببين :
أما السبب الأول : هو أن وثائق الحركة الرسمية سواء تعلق الأمر بالقانون الأساسي أو السياسة العامة أو السياسة التربوية وضعها وشارك في صياغتها الإخوان الذين يتحدثون عن الانحراف، فقد كان أغلبهم أعضاءا في لجان تحضير المؤتمر سواء الثالث أو الرابع وماعدا الأمور المتعلقة بالتنظيم والتوليه والتنحية لم يتغير شيء في السياسة العامة أو السياسة التربوية، فإذا كان الحديث عن الإنحراف أمر يتعلق بالممارسة الشخصية فإن ذلك لا يلزم الحركة والمنهج في شيء فهو ثابت لا يتغير وفرق بين المنهج والرجال.
أما السبب الثاني : فإن مختلف هذه الأزمات والمفردات إذا فرضنا جدلا أنها حاضرة في طرف من الأطراف فإنها تنسحب على شخوص الطرف الآخر بالتأكيد وقد تكون أكثر حدة، فلا يمكن أن يصدق مقولة "احنا خاطينا" وإذا كان التوقيت توقيت حساب فالجميع يجب أن يمر على مسطرة الانضباط.
ومن جهة أخرى فإنه من العدل والانصاف أن نتحدث بواقعية عن أزمة حركة مجتمع السلم الحالية والمتعلقة أساسا بمشكلة قياديه رئيسية يمكن تعريفها بدقة فهي من جهة فريق يتمسك بمخرجات المؤتمر الرابع الذي لم يطعن في شرعيته أحد ،والتأكيد على انفاذ القرارات المؤسسية والشورية وترسيخ مفهوم الشرعية والسيادة واحترام رأي غالبية المناضلين مهما كانت النتائج، وهو مسار طبيعي ومقبول يجب أن يساهم الجميع في ترسيخه خدمة للمسار الديمقراطي الانتقالي الذي تسير فيه أغلب الحركات السياسية الاسلامية الحديثة في إطار الخروج من مرحلة المشيخة والتزكية والتعيين إلى مرحلة الانتخاب والاختيار والتفاعل الديمقراطي النزيه.
وفي المقابل فريق يناهض هذا المسار ليس لان لديه قناعة سياسية أوفكرية ضد التفاعل الديمقراطي وتطبيق اللوائح والقوانين ،على اعتبار أن هذا الفريق عمل طيلة عقد من الزمن على تأكيد هذه الخيارات في اللوائح والقوانين والتنظيمات التي ما تزال الحركة تسير على ضوئها، ولكنه يناهضه اليوم لأنه لم يتح له الفرصة للبقاء في القيادة أو الوصول إليها،ويعتبر نفسه الوريث الوحيد لتراث ومنهج ومنهجية الحركة ولم يستوعب إلى اليوم أن تخرجه القاعدة النضالية بطريقة ديمقراطية أسس لها هو في مسار سياسي صعب أبلى فيه البلاء الحسن.
ومن الناحية التاريخية نقول ليس من السهل أن يتحقق هذا الاستيعاب سيما إذا تعلق الأمر بمكتسبات حركية تارة وشخصية طبيعية تارة أخرى، في زمن قياسي، فدورة التاريخ تقتضي الصبر على التفاعل الديمقراطي الداخلي في الحركات السياسية الاسلامية التي مارست إلى وقت قريب عملية التعيين وتدوير السلطة بين الفريق الواحد.
وبين الفريقين المتعارضين ينبغي أن تبرز مساحة سياسية قد نسميها "مساحة العفو" من الناحية السياسية وقد نسميها من الناحية النظرية "نظرية الحزام" الشيء تتطلب أن يقف الفريقين وقفة تأمل في أمرين أساسيين ومحوريين.
أما الأمر الأول : فهو القيام بعملية تقييم صادقة لمسار التنافس والوقوف على التجاوزات والاختلالات ثم البحث عن مساحة العفو والشخصيات،التي بمقدورها تحقيق وتجسيد نظرية الحزام التي بموجبها يحفظ على الحركة وحدتها واستقرارها ومستقبلها. على اعتبار أنها صارت اليوم وقف للأمة لا يجوز لأحد أن يكون سببا في زواله أو تحديد سقف الخير الذي يقدمه للأمة، فحركة مجتمع السلم اصبحت خط الدفاع الاخير للأمة من أجل تحقيق التغيير المنشود.
أما الأمر الثاني : فهو استيعاب دروس الماضي واستشعار عقوبة الاستبدال السننية " فإن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم" واستحضار اللحظة التي تلي مباشرة قرار الانقسام أو الانشطار، كيف يكون شعور وضمير القيادي المتسبب في ذلك في الدقيقة الثانية بعد أن يتخذ قرار الطلاق، وليتصور كل فريق كيف تكون صورة ومشهد الحركة لحظة واحدة فقط بعد قرار الالتحام والتنازل وكظم الغيظ والأخوة والتراضي وتوسيع مساحة العفو.
ونؤكد في ختام هذه الحلقة أن المعارضة والمناهضة والتعبير الإعلامي عن الرأي والتمسك بخيارات سياسية وضعناها لأنفسنا وليست قدرا محتوما يمكن أن نتحكم فيها في لحظات تاريخية يكون الفرد فيها صادقا مع نفسه أولا ومع المنهج الذي قضى شبابه فيه، كما أن التمسك بالشرعية والمؤسسات والشورى ونتائج المؤتمر لا تعني شيئا إذا تفرقت الحركة وذهب ريحها وفقدت صدقيتها لدى الجمهور العريض الذي ينتظر لحظة الصلح والتجميع ،والفرصة مواتية اليوم مع دورة مجلس الشورى الوطني التي ستقدم فيها مبادرة اجتهادية لحل الأزمة ورأب الصدع ،ولما لا يكون أول نوفمبر، عيد الثورة التحريرية الجزائرية تتعانق فيها الذكريات والقلوب وهو طموح وأمل ورجاء ليس على الله ولا على أبناء الحركة الواعية بعزيز.

كتب فاروق أبو سراج الذهب عن موقع حركة مجتمع السلم الوطني

» الدعوة الإسلامية بالجزائر (حركة مجتمع السلم نموذجا)
» (القانون الأساسي لحركة مجتمع السلم(حمس
» آراء التائبين حول الانتخابات الرئاسية:ساندنا بوتفليقة وسنسانده.. لأنه رجل السلم والأمن