لا تستطيع جماعة من الجماعات مهما كان لونها أن تسير دون توجيه قيادتها سواء كانت هذه القيادة متمثلة في فرد أو جماعة أو في قيادات متسلسلة متدرجة.
والقيادة الرشيدة هي التي تسخر جميع طاقاتها، وكل قواها لحماية الجماعة، وفي سبيل منعتها وقوتها واستمرارها.
وتقاس كفاءة القائد بمقدار نجاحه في تنظيم الجماعة وتوجيه كل فرد للإسهام في خدمة أهداف الجماعة، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة دقيقة بالأفراد جميعًا ووزن صحيح لمواهبهم وخبراتهم في الحياة والمجالات التي يستطيعون النجاح فيها، واتصال حسن بهم وفهم عميق لنفوسهم وروح اجتماعية قادرة على النفوذ والتأثير، وتوسيد الأمور إلى خير من يقوم بها. ونتيجة ذلك كله أن تسير سيرًا مطردًا، وقد رضي كل فرد منها بمكانه وعمله فأدى من العمل أحسن ما يمكن أن يؤدَى.
إن كفاءة القائد تقاس أيضًا بما يحدثه القائد من تغيير في إنتاج الجماعة وحسن أدائها، ومفتاح عبقرية القائد في معرفته بالرجال1.
يختلف مفهوم الإدارة من مفكر إلى آخر، وتعرف بأنها: "المعرفة الدقيقة لما تريد من الناس أن يعملوه، ثم التأكد من أنهم يقومون بعملهم بأحسن طريقة، وبأقل تكلفة".
أو بعبارة أخرى: "تتنبأ وتخطط وتنظم وتصدر الأوامر وتنسق وتراقب".
وتعرف القيادة بأنها: "قدرة المدير على التأثير في المرؤوسين للعمل بحماس وثقة".
والحماس: يعكس الجدية والتفاني في العمل. بينما تعكس الثقة: الخبرة الفنية.
النظريات الحديثة في القيادة:
ونتناول فيما يلي تطور نظريات القيادة المختلفة وهي:
1 - نظرية السمات: وتقوم على تحديد الصفات التي يتميز بها القائد وتقسم إلى المجموعات التالية:
(أ) الصفات الفسيولوجية: مثل الطول، العرض، الجاذبية، الحيوية، قوة الجسم، شكل الجسم.
(ب) الصفات الاجتماعية: مثل الصبر، اللباقة، النضج العاطفي، التعاون.
(جـ) صفات الشخصية: مثل السيطرة، الهجومية الثقة، الكمال، الحماس.
(د) الصفات الذاتية: مثل المهارات اللغوية، التقدير، الذكاء، الإنجاز، المسئولية.
2- النظرية السلوكية: وعندما ظهر أنه لا توجد صفات شخصية مستقرة، تميز القائد عن غيره اتجهت الدراسات إلى مفاهيم أخرى عن القيادة وتوصلت إلى الأنماط الرئيسة التالية:
(أ) النمط الإنساني: ويراعي هذا النمط مشاعر المرؤوسين، ومراتبهم الاجتماعية، وراحتهم، ويبحث عن خلق جو من العمل يتميز بالصداقة والسرور، ولا يستخدم سلطته المستمدة من مركزه، وفي هذا النمط على القائد أن يتبع أنواعًا من السلوك مثل:
- يعبر عن التقدير والإعجاب عندما يؤدي المرؤوس عملاً جيدًا.
- لا يطلب من المرؤوسين أكثر مما يستطيعون أداءه.
- يساعد المرؤوسين في حل مشاكلهم الشخصية.
- يتأكد من أن المرؤوسين قد حصلوا على مكافآتهم نظير العمل المتميز.
(ب) النمط المشارك: ويسمح هذا النمط بمشاركة المعلومات والقوة والتأثير بين القائد ومرؤوسيه، ومعاملة المرؤوسين بالتساوي ويسمح لهم بالتأثير على قراراته بالمشاركة في القرار النهائي الذي يرتبط باختصاصاتهم. وقد أظهرت الدراسات أن المشاركة لها تأثير قوي وإيجابي على الإنتاجية والروح المعنوية، وذلك عندما يكون لدى المرؤوس ذكاء مرتفع وكمية من المعلومات وميل طبيعي نحو هذا النمط من السلوك القيادي وأن تكون الوظيفة مركبة وغير روتينية.
(جـ) النمط الآلي: ويتصف هذا النمط بأن المدير يركز على تخطيط، تنظيم، رقابة، وتنسيق أنشطة العاملين لكي يعزز ويدعم إنجازات المرؤوسين.
3- النظرية الشرطية: وأساس هذه النظرية عناصر ثلاثة: المرؤوس، القائد، الموقف. وقد تضمنت هذه النظرية عدة مفاهيم أهمها:
أولاً: أن النمط القيادي الفعال في بعض المواقف قد لا يكون فعالاً في مواقف أخرى.
ثانيًا: أنه ليس من الدقة أن نتحدث عن قائد جيد وقائد سيئ، ولكن يجب أن نفكر في قائد يؤدي عمله بكفاءة في ظروف أو مواقف معينة، ولا يقدر ذلك في موقف آخر.
ثالثًا: إن الإدارة تستطيع تغيير فاعلية القيادة بمحاولة تغيير دوافع القائد نحو نمط قيادي معين من خلال التدريب.
والتحدي الحقيقي الذي تواجهه الإدارة هي أن تعترف بأن القيادة الفاعلة تتوقف على ثلاثة عوامل شرطية وهي:
علاقة الرئيس بالمرؤوس... هيكل العمل... وقوة المركز بالنسبة للقائد.
ويمكن للإدارة تعديل هذه المواقف لتتناسب مع النمط القيادي للمدير.
4- الإدارة بالحالات:
وأخيرًا ظهرت نظرية "الإدارة بالحالات" تتلخص فكرتها في أن المبادئ الإدارية لا يمكن تصميمها وتطبيقها تحت كل الظروف، ولكنها تعتمد في نجاحها على الموقف والظروف المحيطة به. واستنادًا إلى ذلك فإن المدير قد يمارس سلوكًا مركزيًّا في موقف معين، ثم يتحول إلى الأسلوب اللامركزي في موقف آخر، حسب ما تمليه طبيعة العمل وظروفه. هذا الاتجاه يحظى حاليًا باهتمام المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز التدريب، ويكتب عنه الشيء الكثير من المؤلفات.
القيادة في الإسلام
المتأمل فيما سبق يرى أنها مدارس وافدة على مجتمعاتنا الإسلامية من مجتمعات هجرت الدين؛ ولذلك لا تلمح فيها إشارة إلى الإيمان من قريب، ولا من بعيد، وهذا ما يوجب علينا أن ندقق فيه النظر، حيث إن الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد أن الإيمان إذا وجد في أفراد أي مؤسسة توفر لها كل عوامل النجاح لأن كل فرد سيؤدي عمله على أكمل وجه، وفي غاية الإتقان، حتى وإن غاب عنه مراقب العمل والإنتاج؛ لأن معه رقيبًا في داخله يلازمه، ولا ينفك عنه، كما أنه سيؤدي عمله ومعه أكبر حافز على العمل، وهو نيل مرضاة الله بالدرجة الأولى.
وللرقيب والحافز أثره الفعال في أداء الأعمال، وجودة الإنتاج، وليس معنى ذلك أن يلغى الرقيب والحافز في نظام الإدارة الإسلامية، ولكنها إشارة إلى أنها ستكون رقابة من داخل الإنسان وهي الأهم يصاحبها الرقابة البشرية من الخارج، وكذلك الشأن بالنسبة للحافز.
وإذا كانت المؤسسات والشركات التي تحرص على زيادة إنتاجها ورفع كفاءة عمالها، وموظفيها تعمل على أن تعقد لهم دورات تدريبية وتثقفية لترفع من مستواهم فالأولى بها أن تنشط الإيمان في قلوب أفرادها وأن تعمل على تجديد روح الإسلام في نفوسهم، حتى يتسنى لها أن ترى المؤسسة وهي تعمل بروح الفريق والتعاون التي حض عليها الإسلام، وأن ترى روح المودة والحب تسود أفرادها بدلاً من روح التنافس والصراع التي تفسد الأعمال وتهدم المؤسسات.
صفات أساسية في القيادة
ومن الصفات التي يجب أن تتوفر في القيادة المسلمة بعد الإيمان الصادق: ودون إهمال لما جاء في النظريات الإدارية الحديثة:
العقل، والعلم، والشجاعة، والعفة، والعدل، والشورى، والسخاء والجود، والحلم، والعفو، والرفق، واللين، والتثبت، والوفاء بالوعد والعهد، والصدق، والأمانة، وكتم السر، والحزم، والدهاء، والتواضع، ونشر روح المحبة والمودة والتراحم بين جميع الأفراد. وكل صفة من هذه تحتاج لوقفة لكننا آثرنا، وقد نتمكن من تناولها في المستقبل إن شاء الله.
النبي- صلى الله عليه وسلم- نموذج لجميع الأنماط القيادية الكاملة:
إن في الإسلام وفي القيادة النبوية نموذج حي للقيادة الرشيدة الكاملة، ويستطيع كل إنسان أن يستقي منه النموذج الذي يتفق وحالته، ومن كان له في النبي- صلى الله عليه وسلم-أسوة واستطاع أن يستمد منه قبسًا في إدارته وقيادته، فإنه يستجمع النواحي الإيجابية وتنتفي منه السلبيات.
تابع ../..
منقول عن إسلام أون لاين